حكم تجارة العملات الالكترونية

تداول العملات
حكم تجارة العملات الالكترونية

حازت العملات الإلكترونية على اهتمام بالغ ودعم كبير من آلاف الأشخاص حول العالم، وذلك لما تتميز به من تلك العملات من خصائص فريدة، ولكونها من أهم الأدوات الاستثمارية في العصر الحديث، ولذلك يبحث المستثمرون في العالم العربي عن حكم تجارة العملات الالكترونية ومدى توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية، خاصة مع وجود العديد من الشبهات حول تلك العملات.

ما هي تجارة العملات الالكترونية

لكي نتعرف على حكم تجارة العملات الالكترونية المشفرة فلابد أن نفهم في البداية ما هذه العملات وكيف يتم التجارة بها، فالعملات الإلكترونية أو الرقمية هي عبارة عن عملات افتراضية تم تصميمها باستخدام بعض الخوارزميات والرموز الحسابية، وكان الهدف من تصميمها هو تمكين المستخدمين من شراء الخدمات والسلع بسهولة عبر شبكة الإنترنت، حيث تعمل وفقا لدفتر حساب رقمي ذو تشفير قوي جدا عبر شبكة الإنترنت، فيؤمن جميع المعاملات المالية التي تتم باستخدام تلك العملات.

جاء الاهتمام البالغ بهذه العملات نتيجة استخدامها في سوق التداول، حيث تم إنشاء سوق مالي خاص بها ويسمى بسوق الكريبتو، حيث يتم من خلاله شراء وبيع هذه العملات بين المستثمرين بهدف تحقيق مكاسب مالية منها. ويوجد العديد من أنواع العملات الرقمية التي يتم تداولها في هذا السوق، فمنذ نشأة العملة الأولى وهي البيتكوين، توالى بعدها إنشاء العملات الرقمية حتى تخطي عددها عشرة آلاف عملة خلال سنوات معدودة، وِأشهرها بعد البيتكوين هو عملة الإيثيريوم، ساتوشي، التيثر، لايتكوين، كاردانو، بينانس كوين، وغيرها.

قد يتساءل البعض هل تجارة العملات الالكترونية خيار حكيم فعلا؟ في الواقع وبالرغم من ارتفاع سعر العملات الرقمية يوما بعد يوم، إلا أن العملات الرقمية في حد ذاتها لا تعتبر أموالا حقيقية بل هي مجرد افتراضات، ولكي تتمكن من تحقيق الربح منها فلابد من شرائها بمبلغ من المال ثم عليك أن تجد من لديه الاستعداد لدفع مبلغ مالي أكبر مما دفعته أنت في شراء تلك العملات، ومن هنا فقط يأتي المكسب، ولكن العملات الرقمية في حد ذاتها ليس لها قيمة حقيقية.

أهمية العملات الإلكترونية

بالرغم من الاختلاف في حكم تجارة العملات الالكترونية إلا أنها تتسم بأهمية بالغة في الأسواق المالية، وتحصل على دعم من كبار المستثمرين في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في أسواق المال الأمريكية والأوروبية، وذلك يرجع إلى الأسباب التالية:

  • العملات المستقبلية المحتملة: حيث يؤمن آلاف الداعمين للعملات الإلكترونية بأنها سوف تصبح العملات الرسمية في المستقبل، وخاصة عملة البيتكوين التي تعتبر أهم العملات الرقمية وأعلاها قيمة سعرية وأشهرها في العالم، ولذلك يسارع الآلاف إلى شراء هذه العملة والاحتفاظ بها قبل أن ترتفع قيمتها السعرية في المستقبل.
  • عملات لامركزية: فهي لا ترتبط بأي جهة مركزية كالبنوك، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى وسيط حتى يتم استخدامها في أي معاملات مالية، بالإضافة إلى عدم وجود أي رسوم للمعاملات، وهو الأمر الذي يفضله الكثير من مستخدمي هذه العملات المشفرة.
  • نظرا لكونها تعتمد على خوارزميات معقدة للغاية، فإن العملات الرقمية تتسم بحد كبير جدا من الأمان وصعوبة التزييف أو التزوير، فهي تعتمد على تقنية البلوكتشين التي تعتبر من أكثر وسائل تحويل الأموال أمانا، وهو ما يجذب آلاف المستخدمين لها لحفظ أموالهم وسرية بياناتهم المالية، بالرغم من ذلك فكثيرا ما تستخدم هذه الميزة في القيام بأعمال مشبوهة باستخدام العملات الرقمية حتى يصعب تتبع بيانات القائمين بها.

حكم تجارة العملات الالكترونية

اختلف العلماء والفقهاء المعاصرين في تحديد حكم تجارة العملات الالكترونية المشفرة، وينقسم الفقهاء إلى ثلاثة فرق في هذا الموضوع، على النحو التالي:

  • الفريق الأول:

يرى بأنه يجوز الاستثمار في العملات الإلكترونية طالما أن بعض الدول قد اعترفت بكونها عملات رسمية ويتم التعامل بها بصورة رسمية في تلك الدول.

  • الفريق الثاني:

توقف عن إصدار أي فتوى بخصوص حكم تجارة العملات الالكترونية لعدم وجود بيانات واضحة تكفي لإصدار الحكم، ومن الناحية الشرعية معروف أن التوقف يعني التحريم.

  • الفريق الثالث:

يذهب إلى تحريم التعامل بالعملات الإلكترونية لأنها ليست أموال حقيقية ولا تعتمد على غطاء حقيقي كالذهب أو الفضة، كما أنها عملة لا مركزية أي أنها لا تخضع لرقابة أي جهة حكومية، ولذلك لا يمكن اعتبارها عملة رسمية حقيقية، ذلك بالإضافة إلى الأسباب التالية:

بانير اعلاني

أولا:

أن العملات الرقمية الإلكترونية يتم خلقها من عدم، وذلك تماما هو الوجه المقابل لمفهوم الربا الذي تنهى عنه الشريعة الإسلامية، فخلق النقود يمنع التقابض والذي هو من شروط المعاملات في الشريعة، والربا وخلق النقود كلاهما من المفاسد التي تضر بالمجتمع والاقتصاد.

ثانيا:

تخليق العملات الإلكترونية على يد أشخاص معينة يؤدي إلى احتكار العملات، ومن المعلوم أن الاحتكار محرم في الشريعة الإسلامية لما ينتج عنه أضرار ومفاسد بالمجتمع.

ثالثا:

تتعرض العملات الإلكترونية للكثير من التذبذب السريع، وذلك يؤدي إلى دخولها تحت بند القمار، حيث يعتمد القمار على اللعب والكسب بالحظ، ومن يقوم بشراء العملات الإلكترونية والتربح منها فإنه يعتمد أيضا على الحظ، فقد يرتفع سعر العملات جدا ويربح مبالغ طائلة، وقد تنخفض جدا ويخسر أمواله بالكامل، لذلك اعتبرها العلماء نوع من أنواع القمار وهو محرم بنص صريح من القرآن الكريم، لأن الأصل في العملات أن تتسم بالانضباط والاستقرار النسبي، أما الارتفاع والانخفاض في قيمتها فيعتمد على عوامل اقتصادية وليس الحظ.

رابعا:

عدم توافر أهم خصائص النقود في العملات الإلكترونية، فحتى الآن هي ليست وسيطا للتبادل، ولا تستخدم في قياس الخدمات والسلع المختلفة باعتبارها وحدات نقدية، وهي غير قابلة للادخار، ولا تتمتع بالثبات في القوة الشرائية،

خامسا:

لا تعد العملات الإلكترونية سلعة، فالغرض منها هو التبادل، وليست هي الغرض في حد ذاتها كالسلع، وهو من شروط جواز حكم تجارة العملات الالكترونية المشفرة.

سادسا:

لا تعتبر العملات الرقمية أصولا مالية فعلية، فليس لها وجود حقيقي ملموس، وهي ليست أصول عينية ولا خدمات ولا أي شيء آخر له وجود مادي.

سابعا:

لا تصدر هذه العملات الرقمية من خلال سلطات مختصة، وإنما تصدر من قبل أشخاص مجهولين، ومن شروط العملات الحقيقية أن يتم إدارتها وتنظيمها بأمر الحاكم في كل دولة حتى لا تنتشر الفوضى في المجتمع وينتشر الغش والفساد، وبالتالي فهي تفتقد لشرط من أهم شروط العملات.

ثامنا:

عدم استقرار قيمتها السعرية، فالاستقرار النسبي في القيمة السعرية للنقود يحقق قيمة العدل بين البائع والمشتري، ويحفظ أيضا العقود التي تتم بين الناس، وبخاصة في العقود طويل الأجل، وذلك الاستقرار يتحقق بشكل نسبي في العملات النقدية، والتي إن تغيرت فتكون نسبة التغيير على مدار السنوات ونتيجة لعوامل اقتصادية، أما العملات الرقمية فتتغير بشكل لحظي بالارتفاع الشديد أو الانخفاض المفاجئ، وهو ما يفقدها قيمة العدل.

الخلاصة

إن حكم تجارة العملات الالكترونية من الممكن أن يتحول من التحريم عند جمهور الفقهاء إلى الجواز إذا ما تحققت فيها بعض الشروط، وهي أن تصدر العملات بشكل رسمي من حكومات الدول، وتحل محل العملات النقدية المستخدمة في عصرنا الحالي، بما تحققه من قوة، أما غير ذلك فإن العملات الرقمية تؤدي إلى المفاسد والضرر الشرعي التي سبق توضيحها.