تتألق العملات الرقمية وتصل إلى أعلى مستوياتها خلال الفترة الأخيرة. ويتجه معظم المستثمرين في البورصات العالمية إلى التجارة في العملات الرقمية باعتبارها من أهم الأدوات الاستثمارية في العصر الحديث. ومع ذلك فإن هذا النوع من التداول غير شائع في بعض الدول وخاصة الدول العربية. خاصة في ظل تضارب الآراء حول حكم التجارة في العملات الرقمية في العراق وغيرها من الدول العربية والإسلامية. فهناك من يقوم بتحريم تلك التجارة وهناك من يذهب إلى جوازها.
محتويات
قرار البنك المركزي العراقي حول التجارة في العملات الرقمية
قبل التعليق على حكم التجارة في العملات الرقمية في العراق يجدر بنا الإشارة أولا إلى القرار الذي أصدره البنك المركزي العراقي عبر الموقع الإلكتروني الرسمي الخاص به حول العملات الرقمية. حيث أشار إلى كون تلك العملات تنطوي على العديد من المخاطر. لا سيما ما يخص الاحتيال والقرصنة الإلكترونية مما دفع البنك المركزي إلى إصدار قرار بتعميم منع استخدامها. فهي عملات إلكترونية افتراضية يتم تداولها عبر شبكة الإنترنت فقط في هيئة بيانات وأرقام مشفرة وليس لها وجود مادي حقيقي، والسماح باستخدامها قد يؤدي إلى اندثار العملات الورقية في المستقبل.
على جانبٍ آخر يعارض بعض المختصون في العملات الرقمية قرار البنك المركزي العراقي. حيث يرى البعض أن البنك لم يترك بديلا عن تلك العملات الرقمية خاصة مع وجود العديد من المستثمرين العراقيين الذين يتداولون باستخدام العملات الرقمية بملايين الدولارات يوميا عبر منصات التداول العالمية. ولذلك يدعو البعض إلى قيام البنوك المركزية في الدول العربية بإصدار عملات رقمية خاصة بهم لضمان تنظيم التعاملات التي تتم باستخدامها.
الجدير بالذكر أن قرار منع وتجريم حكم التجارة في العملات الرقمية في العراق جاء وفقًا لأهداف القطاع المصرفي بدولة العراق إلى تجنب الآثار السلبية التي تنتج عن جرائم تمويل الإرهاب وغسل الأموال باستخدام العملات الرقمية المشفرة. ولذلك يسعى البنك المركزي العراقي إلى اتخاذ عدة إجراءات رادعة وتطبيق قوانين مكافحة جرائم غسل الأموال حتى لا تهدد استقرار الوضع المالي في العراق.
حكم التجارة في العملات الرقمية في العراق
أصدر اتحاد العلماء المسلمين العالمي فتوى بشأن حكم التجارة في العملات الرقمية في العراق وفي الدول العربية. ونشر عبر الموقع الإلكتروني الخاص به الفتوى الصادرة عن لجنة الاجتهاد والفتوى بشأن التعامل بتلك العملات الرقمية المشفرة. والتي جاء فيها تحريم التعامل بتلك العملات الافتراضية بحالتها الراهنة. وتحريم تصنيعها أو تداولها.
وقد أوضحت اللجنة بعض الأسباب التي استندت إليها في تلك الفتوى. ومنها أن تلك العملات الرقمية المشفرة لا تتوافر فيها الأركان والشروط الخاصة بالنقود عند الاقتصاديين والفقهاء. والتي تتضمن أن تكون العملات النقدية حاكمة. وأن تكون متوسطة بين جميع الأموال حتى يمكن تقدير الأموال بها. وأن تكون نسبتها لجميع الأموال نسبة واحدة.
بالإضافة إلى ذلك فالعملات الرقمية لا تؤدي أي من الوظائف التي تؤديها العملات الورقية والنقود. والتي من أهمها أن تكون العملات وسيطا عاما لعمليات التبادل المختلفة، ومقياسا لقيمة الأشياء، ومخزونا للثروات، ومعيارا للديون والمدفوعات الآجلة. ولكن البيتكوين وما يشبهها من العملات الرقمية لا تشبه أي موجود فعلي وحقيقي. ولم تصدر من أي جهة ضامنة من أي دولة. وبالتالي لا يتوفر فيها أهم شرط من شروط النقود وهو أن تكون ذات قيمة مضمونة من الجهة التي أصدرتها.
وجاء في الفتوى حول حكم التجارة في العملات الرقمية في العراق أن تحريم التعامل بتلك العملات الافتراضية غير الرسمية هو من باب تحريم الوسائل وليس تحريم المقاصد. وذلك لما قد يترتب على استخدام تلك العملات وتداولها من مفاسد وأضرار توجب المنع. ويمكن فقط استثناء الحالات الضرورية من منع التعامل بتلك العملات الالكترونية إن كان استخدامها فيه نفع، وإن كان هذا النفع عاما وليس شخصي. كما أضافت أن ذلك التحريم لا يشمل أي عملات رقمية تصدر من الدولة بشكل رسمي وتخضع لرقابة البنوك المركزية. حيث يجوز التعامل بها في هذه الحالة وفي نطاق الدولة فقط.
ما حكم تعدين العملات الرقمية؟
تعدين العملات الرقمية هو عبارة عن عملية إنتاج للعملات الرقمية المشفرة الجديدة والتحقق من مدى صحة المعاملات التي يتم إنجازها من خلال الشبكة اللامركزية المعروفة باسم بلوكتشين والتي تعمل عليها تلك العملات الرقمية. ويتم التعديم بصورة أساسية من خلال حل بعض المعادلات الخوارزمية المعقدة باستخدام برامج وحواسيب خاصة بذلك الأمر. بحيث يتم تحويل تلك المعادلات إلى رموز تشفير وحفظها في كتل لكي تشكل سلسلة من البيانات المتصلة.
وبالحديث عن حكم التجارة في العملات الرقمية في العراق فلابد من الإشارة إلى حكم تلك العملية التي انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة. بحيث يحصل العاملون في تعدين العملات الرقمية على مكافآت ومبالغ باهظة نظير عملهم هذا بمجرد أن يتم حل المعادلات الرياضية ثم حفظها في البلوكتشين. فالتعدين هو الوسيلة المضمونة لتأمين الشبكة اللامركزية التي تعمل عليها تقنية البلوكتشين التي هي أساس وجود العملات الرقمية المشفرة. وكذلك هي وسيلة لضمان التأكد من صحة كل المعاملات المنجزة على الشبكة وحمايتها من التعرض إلى التزوير أو القرصنة.
الجدير بالذكر أن عملية تعدين العملات الرقمية تتطلب بذل الكثير من الجهد والخبرة والمهارة في مجال البرمجة والتكنولوجيا. كما تتطلب تكاليف مادية كبيرة واستهلاك الكثير من الطاقة الكهربية. فهي ليست بالأمر السهل الذي يمكن لأي شخص تنفيذه بسهولة أو في وقت الفراغ. ولذلك فقد ذهب العلماء المعاصرون إلى جواز تلك العملية شرعا إذا ما تم استخدام مواد مشروعة في القيام بها. أي عدم سرقة الطاقة الكهربية وما إلى ذلك، فهي بمثابة عمل جائز يتم تقاضي الأجر على القيام به، ولا يوجد شبهة حرام في ذلك.
كيفية تحقيق الربح من التجارة في العملات الرقمية
بعد الاطلاع على حكم التجارة في العملات الرقمية في العراق يمكننا الإشارة إلى طرق التربح منها وكسب الأموال. فتجارة العملات الرقمية المشفرة هي عبارة عن عملية اقتصادية تهدف في المقام الأول إلى كسب الأرباح المادية عن طريق القيام بعمليات بيع وشراء للعملات المختلفة. فهي تشبه إلى حد كبير تجارة العملات الورقية والتي تعرف باسم الفوركس، أو غيرها من أنواع التجارة في البورصة. حيث تعتمد على شراء منتجات مالية معينة بسعر منخفض ثم بيعها بسعر أعلى وكسب المال من فارق السعر.
فسوق تداول العملات الرقمية يضج بآلاف من العملات المشفرة التي تم إنشائها واحدة تلو الآخر منذ إطلاق عملة البيتكوين عام 2009م كأول عملة افتراضية في العالم. ثم توالى إصدار العملات الرقمية بعد ذلك، لتظل عملة البيتكوين هي الأعلى من حيث القيمة السوقية والسعر وحجم التداول اليومي عليها. فهي العملة الرقمية الأشهر والأعلى قيمة في العالم كله.
ولكي يمكن الاستثمار في هذا المجال فلابد من التعلم ومعرفة كل ما يتعلق بماهية هذه العملات الرقمية وآلية عملها، ووضع خطة دقيقة ومدروسة ليتم التداول وفقا لها. فالنجاح في هذا المجال لا يأتي وليد الصدفة أو الحظ. وإنما يأتي نتيجة لمجهود ودراسة وتخطيط ومعرفة واسعة.